الخزف فنٌّ عريق، يُعجب به لتنوعه اللامتناهي وقدرته التعبيرية. ومع ذلك، فإن إحدى أكثر لحظات صناعة الخزف إثارةً وغموضًا تحدث داخل الفرن، بعيدًا عن الأنظار. لماذا يتغير لون وملمس الطين والتزجيج، المصنوعان من نفس المكونات، بشكل جذري بعد الحرق؟ يكمن السر غالبًا في خطوة حاسمة: إطلاق الأكسدة .
ما هو "إطلاق الأكسدة"؟
ببساطة، "الحرق" هو عملية تسخين قطع الطين إلى درجات حرارة عالية في فرن، لتحويلها إلى سيراميك صلب. أما "الحرق المؤكسد" فيعني أن هذه العملية تحدث في بيئة غنية بالأكسجين. قد يبدو الأمر بديهيًا، لكن التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الفرن مذهلة للغاية.
بفضل وفرة الأكسجين، تخضع التزجيجات والملونات على سطح الفخار لتحولات سحرية. والنتيجة؟ يُمكن للتزجيج نفسه أن يُنتج ألوانًا وملمسًا مختلفين تمامًا، وذلك حسب كيفية تفاعل الأكسجين مع المواد أثناء الحرق.
الأكسدة مقابل الاختزال: سرّ تغيرات اللون
إليكم الجزء الممتع: يمكن لفنانين السيراميك تغيير النتيجة ببساطة عن طريق التحكم في كمية الأكسجين في الفرن! على سبيل المثال، قد يُنتج طلاء نحاسي لونًا أخضر أو أزرقًا ساطعًا في بيئة غنية بالأكسجين (الأكسدة)، ولكن إذا تم تقييد الأكسجين المتاح في اللحظة المناسبة تمامًا، تحدث عملية "اختزال". فجأة، يمكن أن ينفجر الطلاء نفسه إلى درجات حمراء داكنة وغنية. وكما هو الحال في عملية كيميائية حقيقية، يمكن لتعديل طفيف أن يُحدث فرقًا كبيرًا. عند صنع الأواني الموضحة أدناه، أُضيف نفس نوع أكسيد النحاس إلى الطلاء. ولكن في لحظة حرجة أثناء حرق المزهرية الحمراء، حُرم الفرن من الأكسجين، مما أدى إلى هذا التأثير الغني والشهي.
وعاء، لوسي ري، حوالي عام ١٩٧٩، إنجلترا. رقم المتحف C.44-1982. © متحف فيكتوريا وألبرت، لندن
تحدي الخزفي: إتقان النار والهواء
في كل مرة يُشعل فيها صانع الخزف فرنًا، تكون رحلته محفوفة بالترقب وعدم اليقين. حتى أدنى تعديل في درجة الحرارة أو الجو قد يُفضي إلى نتيجة مختلفة تمامًا. يعرف الفنانون المخضرمون كيفية "قراءة" النار وضبط مستوى الأكسجين بدقة، محولين التفاعلات الكيميائية غير المتوقعة إلى بصمتهم الإبداعية الفريدة.
لا يقتصر حرق الخزف على تسخين الطين فحسب، بل يشمل أيضًا استغلال الأكسجين واللهب لإضفاء لمسة من السحر. الألوان الزاهية والقوام الأخّاذ الذي تراه على الأواني والمزهريات الجميلة؟ غالبًا ما تولد هذه الألوان في عملية الأكسدة والاختزال الدقيقة التي تحدث داخل الفرن.